بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 22 يناير 2010

تاريخ المكان الأردني في المجال العثماني

مدخلات تنموية وحضارية في فهم تاريخ الأردن
إبراهيم غرايبة

تمثل دراسات الدكتور محمد عدنان البخيت تأسيسا لاتجاهات جديدة ورائدة يجب استنافها والتوسع فيها لفهم وتحليل الدراسات الأثرية والحضارية والمعمارية والإنشائية والسكانية والحرفية تحقق فهما أوسع لتاريخ الأردن وتعامل إنسانه مع البيئة المحيطة، ويمكن أن تصلح أساسا لتخطيط التنمية وإدارتها أيضا وبخاصة أن موارد الماء والطاقة وطريقة إدارتها اليوم ربما تسوقنا إلى كارثة أو على الأقل أزمة لم تعد تفيد الأدوات المستخدمة في حلها.
ويعد كتاب "دراسات في تاريخ بلاد الشام "الأردن" أحد هذه النماذج، ويتضمن الكتاب خمس دراسات متخصصة في تاريخ الأردن، هي: معان وجوارها، استعراض تاريخ، وناحية بني الأعسر في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، وناحية بني جهمة في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، ومذكرات الدكتور جميل فائق التوتنجي، والمرافق العامة في منطقة شرق الأرد: الينابيع والآبار والبرك والطواحين والمعاصر.
معان وجوارها
كانت معان وأيلة ونواحيهما مقرا مبكرا لعدد من القبائل العربية، مثل الغساسنة، ولخم، وجذام، وبلقين، وبلي، وكان فروة بن عمر الجذامي عاملا للبيزنطيين في معان وحولها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أرسل له الرسول يدعوه إلى الإسلام، فأجاب الدعوة، ولكن البيزنطيين لما علموا بإسلامه قتلوه عند ماء عفراء قرب الطفيلة، وسكنها في العهد الأموي عدد من القبائل الموالية لهم وعلى رأسهم سعيد بن العاص.
ومن المواقع التاريخية فيها وحولها "أذرح"والحميمة التي كانت مقرا للعباسيين قبل قيام الدولة العباسية بسبعين سنة، وبعد سقوط الدولة الأموية تحولت القلاع والحصون إلى خراب مهجورة، ورحلت عنها قبائل عربية كثيرة باتجاه العراق، وفقدت معان مكانتها، وبقيت المنطقة تعاني من الاضطرابات وعدم الاستقرار إلى أن قامت إمارة الأيوبيين في الكرك.
واستأنفت الدولة العثمانية أعمال الحماية والصيانة لطرق القوافل والحج ومنها معان التي كانت محطة مهمة للحجاج القادمين من مصر وشمال أفريقيا، والحجاج القادمين من الشام وتركيا، وعمرت القلاع ووضعت الحاميات على مراحل الطريق في القطرانة ومعان وتبوك.
وذكر معان كثير من الرحالة العرب والمسلمين في أثناء مرورهم بها للحج، مثل حجيج بن قاسم الوحيدي (1584م) والشيخ حسن البوريني قاضي قافلة الحج الشامية (1615)، وذكرها بالتفصيل ثلاثة من الرحالة، أحدهم عبد الله الحسيني الموسوي (1629)، وإبراهيم بن عبد الرحمن الخياري (1672) والذي وصف بساتينها وبيوتها وأسواقها والسلع التي تباع فيها والقلعة القائمة بها، والثالث هو الشيخ عبد الغني النابلسي (1693) ومما وصفها بأنه فيها قلعة وبيوت حسان وماء عذب.
وهكذا فإن معان كانت تعتمد على كونها محطة لقوافل الحج، وبعد قيام الدولة السعودية الوهابية تحولت قوافل الحج عن معان فتعرضت للخراب، فيذكر الجبرتي (1808) والرحالة السويسري جون لويس بيركهارت
(1817) فهاجر بعض أهلها إلى المدن والقرى المجاورة كالطفيلة والكرك، ثم أعاد محمد علي (1835) صيانة القلاع والطرق وحمايتها، ومما يذكره بيركهارت عن معان أن بعض أهلها يتقنون القراءة والكتابة، ويعملون لدى شيوخ البدو في ضبط حساباتهم وكتاباتهم.
واستأنف العثمانيون الأتراك بعد استعادتهم السيطرة على الشام والحجاز مجموعة من الإصلاحات والإجراءات الإدارية والخدماتية، وحولت معان إلى مركز متصرفية، وعين فيها حاكم وقضاة ومدراء وموظفون، وأنشئ فيها مكتب للتلغراف ومدارس وعيادات ومرافق وسجن.
وازدهرت المدينة واتسعت بإقامة سكة الحديد، فقد تحولت إلى مركز للفنييين والإداريين والمهندسين والأطباء، ثم بدأ السياح يتدفقون لزيارة البتراء، وبعد قيام الدولة العربية في سورية بقيادة الملك فيصل بن الحسين اعتبرت معان ناحية من نواحي المملكة، وعين عبد السلام كمال قائمقام، ولكن بعد الاحتلال الفرنسي وإنهاء الدولة الفيصلية اعتبر الشريف حسين معان جزءا من مملكة الحجاز، وعين لها منير عبد الهادي قائمقام.
وبقيت كل من العقبة ومعان تابعتين لمملكة الحجاز حتى عام 1925 فألحقتا بإمارة شرق الأردن بقيادة الأمير عبد الله بن الحسين.
ناحية بني الأعسر
تقع ناحية بني الأعسر في شمال الأردن، وكانت في القرن السادس عشر تضم حوالي 30 قرية مازالت قائمة حتى اليوم بأسمائها الموثقة في سجلات الدولة العثمانية، مثل إيدون وحبكة وصخرة وعبين وعبلين والصريح وعفنا وكفر خل والنعيمة وكتم، وكانت تابعة للواء دمشق.
وشهدت المنطقة حالة من الاستقرار والازدهار سمحت بوجود القرى والمساجد والمزارع، وعندما تولت الأسرة الغزاوية الإمارة في المنطقة وإمارة الحج أيضا (العائلة المعروفة حتى اليوم في بلدات المشارع وجسر الشيخ حسين في الأغوار الشمالية) حافظت على استقرارها وتطورها، واستقطبت عددا من المقاتلين ليخدموا في قواتها العسكرية المحلية.
ناحية بني جهمة
تقع ناحية بني جهمة في حوران في شمال الأردن، وتشير سجلات الدولة العثمانية في القرن السادس عشر أنها كانت تضم 22 قرية، مثل إربد والبارحة وكفر يوبا وبشرى وحوارة والعال وبيت راس وشجرة ومغير وكفر جايز وسال وحكما وجمحا، وتقدم السجلات معلومات تفصيلية عن السكان والجوامع والزوايا والأوقاف والأئمة والمؤذنين والخطباء والخانات والمحاصيل والمواشي، وتوضح السجلات تطور عدد السكان بل وتضاعفهم، مما يشير إلى الاستقرار والازهار الذي شهدته المنطقة في القرن السادس عشر.
وتشير السجلات إلى أن عددا من الأشراف (9 أسر) كانوا يقيمون في قرية بشرى، وأن إربد كانت أكبر هذه القرى بالإضافة إلى البارحة، ونظرا لقربهما من بعضهما فقد كانت بمثابة بلدة واحدة، وكان في إربد أكثر من مسجد، وسوق كبير، ومركز للبريد ومحطة للقوافل التجارية ونقل الثلج (ربما يجلب من جبل الشيخ) على الجمال إلى مصر.
ونشطت في المنطقة الصوفية وبخاصة الطريقة الصمادية، وكان لها زوايا وأوقاف عدة منتشرة في البلدات.
الوضع الصحي في شرق الأردن
(مذكرات الدكتور جميل فائق التوتنجي)
عندما أنشئت الدولة الأردنية الحديثة عام 1921 كانت الصحة العامة من أهم المجالات التي ظفرت بعناية الدولة، وكان السيد مظهر رسلان مشاورا (بمثابة وزير) للصحة والعدلية والمعارف في أول حكومة شكلت برئاسة رشيد طليع، وأسست مديرية الصحة العامة عام 1929 وعين الدكتور حليم أبو رحمة مديرا لها، وهو طبيب تخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1913، واستقطب عددا من الأطباء للعمل في المديرية، وأسندت للدكتور جميل فائق التوتنجي عام 1950 في حكومة السيد سمير الرفاعي، وهي الحكومة الأولى التي أسست فيها وزارة للصحة.
ولد التوتنجي عام 1896 في أزمير بتركيا، ونشأ في حمص في كنف عمه بعد وفاة والده، ودرس الطب في الجامعة الأميركية في بيروت وفي جامعة اسطنبول عام 1918، وعمل طبيبا في المستشفى العسكري في حماه، ثم في مدينة مادبا، ثم عين طبيبا في الجيش العربي عام 1923 وطبيبا خاصا بالأمير عبد الله ثم عين مديرا للصحة العامة عام 1940 ثم وزيرا للصحة عام 1950 حتى عام 1962، ثم عين في مجلس الأعيان، وعمل سفيرا في الاتحاد السوفيتي بين عامي 1964 – 1965، وتوفي في 30/3/1971.
عندما قدم التوتنجي إلى مادبا ليعمل فيها طبيبا عام 1918 كان الطب الحديث نادرا بل معدوما، وكان التداوي يعتمد على الأساليب الشعبية التقليدية والحجب، وقد شرب بعض الناس الوصفة الطبية التي كان يكتبها لهم كما يفعلون بالحجب، وكانت بداية صعبة وقاسية في العمل في ظروف اجتماعية وصحية معقدة، ولكن التوتنجي الذي شهد هذه البدايات شهد بنفسه تطور الطب والصحة في الأردن على مدى نصف قرن من الزمان.
المرافق العامة في منطقة شرق الأردن
يدرس هذا البحث عددا من المرافق العامة مثل الينابيع والآبار والبرك والطواحين ومعاصر الزيت والعنب والسكر في شرق الأردن في العهد الأيوبي والمملوكي والعثماني مستمدة من سجلات المحاكم الشرعية في الدولة العثمانية وسجلات الأراضي الخاصة بالحكومة الأردنية.
يقع الأردن كما هو معروف في منطقة يشح فيها الماء، وكان على المجتمعات التي عاشت فيها أن تدبر معاشها وزراعتها بموارد المياه المتاحة، وقد فعلت ذلك على النحو الذي يستفيد من كل قطرة مطر تسقط من السماء، فحفرت الآبار والبرك في كل مكان للمنفعة العامة فضلا عن الآبار والبرك الخاصة، والحق بالقلاع والحصون برك وآبار للمياه، وبنيت البرك أيضا على امتداد طرق قوافل التجارة والحج.
وتوثق السجلات المئات من هذه الآبار والبرك، مازال الكثير منها قائما حتى اليوم، فيشار على سبيل المثال إلى 17بئرا في إربد، 51 في الحصن، 31 في إيدون، 667 في الكرك ونواحيها، بالإضافة إلى البرك التي كانت منتشرة في القرى والطرق والقلاع منذ أيام الرومان وواصل الناس زيادتها وصيانتها، ومن هذه البرك القائمة حتى اليوم بركة زيزياء وتبلغ سعتها 18 ألف م3
وتشير السجلات مثل دفاتر الطابو العثمانية وقيود الأراضي ومشاهدات الرحالة إلى انتشار طواحين الحنطة والسكر ومعاصر الزيت والعنب، وتبين الدفاتر العثمانية أسماءها وموقعها والمحاصيل والضرائب المستمدة منها، وكانت الطواحين على امتداد الاودية وسيول المياه لأنها كانت تدار اعتمادا على الماء، مثل وادي العرب ووادي اليابس ووادي عجلون ووادي كفرنجة ووادي السير، فكان على سبيل المثال في عام 1596 حسب سجلات دفتر مفصل لواء عجلون 81 طاحونة.
وكان في الكرك عام 1915 طاحونة في الكرك تدار بالغاز وتعود ملكيتها إلى السيد بطرس برنابا بن عبد الله الصناع، وتشير أسماء المالكين للطواحين إلى العشائر الأردنية القائمة اليوم، مثل العبادي والمعايطة والمجالي والعدوان وأبو عرابي والعساف والعطيات والشركس وغيرهم.وتشير السجلات إلى انتشار معاصر السكر الذي كان يزرع في الغور، واستطاع الباحثون معرفة 34 موقعا لهذه المعاصر، وأقيمت طواحين للسكر في موازاة نهر الزرقاء ومنها طواحين العدوان.
وفي دراستها عن معاصر السكر تعرض الباحثة ربى أبو دلو تفاصيل ورسوما كثيرة عن مواقعها وطريقة عملها من خلال دراستها للآثار القائمة لهذه المعاصر في تل أبو عراب، طبقة فحل وتل السكر وكريمة وضرار.
وأما معاصر الزيت والعنب فالشواهد مازالت قائمة عليها بالمئات في عمان ومادبا والصويفية وام السماق والكرك وعجلون والشوبك، وفي قرية المخيط في مادبا عثر على آثار لـ 12معصرة.
دراسات في تاريخ بلاد الشام "الأردن"
محمد عدنان البخيت
منشورات أمانة عمان الكبرى،
الطبعة الأولى، 2005
432 صفحة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق